فصل: استيلاء سقمان بن ارتق على ماردين.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.استيلاء سقمان بن ارتق على ماردين.

كان هذا الحصن ماردين من ديار بكر وأقطعه السلطان بركيارق بجميع أعماله لمغن كان عنده وكان في ولاية الموصل وكان ينجر إليه خلق كثير من الاكراد يفسدون السابلة واتفق أن كربوقا صاحب الموصل سار لحصار آمد وهي لبعض التركمان فاستنجد صاحبها بسقمان فسار لانجاده وقاتل كربوقا قتالا شديدا ثم هزمه وأسر ابن أخيه ياقوتي بن ارتق وحبسه بقلعة ماردين عند المغنى فبقي محبوسا مدة طويلة وكثر ضرر الاكراد فبعث ياقوتي إلى المغنى صاحب الحصون في أن يطلقه ويقيم عنده بالربض لدفاع الاكراد ففعل وصار يغير عليهم في سائر النواح إلى خلاط وصار بعض أجناد القلعة يخرجون للاغارة معه فلا يهيجهم ثم حدثته نفسه بالتوثب على القلعة فقبض عليهم بعض الأيام مرجعه من الاغارة ودنا من القلعة وعرضهم على القتل إن لم يفتحوا له ففتحها أهلوهم وملكها وجمع الجموع وسار إلى نصيبين وأغار على جزيرة ابن عمر وهي لجكرمس فكبسه جكرمس وأصحابه في الحرب بينهم فقتله وبكاه جكرمس وكان تحت ياقوتي ابنة عمه سقمان فمضت إلى أبيها وجمعت التركمان وجاء سقمان بهم إلى نصيبين فترك طلب الثار فبعث إليه جكرمس ما أرضاه من المال في ديته ورجع وقدم بماردين بعد ياقوتي أخوه على بطاعة جكرمس وخرج منها لبعض المذاهب وكتب نائبه بها إلى عمه سقمان بأنه يملك ماردين لجكرمس فسار إليها سقمان وعوض عليا ابن أخته جبل جور وأقامت ماردين في ملكه مع حصن كيفا واستضاف إليهما نصيبين والله أعلم.

.وفاة سقمان بن ارتق وولاية أخيه أبي الغازي مكانه بماردين.

ثم بعث فخر الدين بن عمار صاحب طرابلس يستنجد سقمانبن ارتق على الافرنج وكان استبد بها على الخلفاء العلويين أهل مصر ونازله الافرنج عندما ملكوا سواحل الشام فبعث بالصريخ إلى سقمان بن ارتق سنة ثمان وتسعين وأجابه وبينما هو يتجهز للمسير وافاه كتاب طغركين صاحب دمشق المستبد بها من موالي بني تتش يستدعيه لحضور وفاته خوفا على دمشق من الافرنج فأسرع المسير إليه معتزما على قصد طرابلس وبعدها دمشق فانتهى إلى القريتين وندم طغركين على استدعائه وجعل يدبر الرأي مع أصحابه في صرفه ومات هو بالقدس فكفاهم الله أمره وقد كان أصحابه عندما أشقي على الموت أشاروا عليه بالرجوع إلى كيفا فامتنع وقال هذا جهاد وان مت كان لي ثواب شهيد فلما مات حمله ابنه إبراهيم إلى حصن كيفا فدفنه بها وكان أبو الغازي بن ارتق شحنة بغداد كما قدمناه ولاه السلطان محمد أيام الفتنة بينه وبين أخيه بركيارق فلما اصطلح بركيارق وأخوه سنة تسع وتسعين على أن تكون بغداد له وممالك أخرى من الممالك الإسلامية ومن جملتها حلوان وهي أقطاع أبي الغازي فبادر وخطب لبركيارق ببغداد فنكر عليه ذلك صدقة بن مزيد وكان من شيعة السلطان محمد فجاء إلى بغداد ليزعج أبا الغازي عنها ففارقها إلى يعقوب وبعث إلى صدقة يعتذر بأنه صار في ولاية بركيارق ويحكم الصلح في اقطاعه وولايته فلم يمكنه غير ذلك ومات بركيارق على اثر ذلك فخطب أبو الغازي لابنه ملك شاه فنكر ذلك السلطان محمد منه فلما استولى على الأمر عزله عن شحنة بغداد فلحق بالشام وحمل رضوان بن تتش صاحب حلب على حصار نصيبين من بلاد جكرمس فحاصروها وبعث جكرمس إلى رضوان وأغراه بأبي الغازي ففسد ما بينهما ورحلوا مفترقين على نصيبين وسار أبو الغازي إلى ماردين وقد مات أخوه سقمان كما قلناه فاستولى عليها والله تعالى أعلم.

.اضطراب أبي الغازي في طاعته وأسره ثم خلاصه.

لما ولى السلطان محمد على الموصل والجزيرة وديار بكر سنة اثنتين وخمسمائة مودود بن افتكين مكان جاولي سكاوو الذي ملكها من يد جكرمس كما مر في أخبارهم فوصل مودود إلى الموصل وسار جاولي إلى نصيبين وهي يومئذ لابي الغازي وراسله في المظاهرة والانجاد فوصل إليه بماردين على حين غفلة مستنجدا به فلم يسعه إلا اسعافه وسار إلى سنجار والرحبة وحاصرهما وشق عليهما فلما نزل الخابور هرب أبو الغازي راجعا إلى نصيبين ثم إلى بلده وبقي مضطربا ثم بعث السلطان محمد سنة خمس وخمسمائة إلى الأمير مودود بالمسير إلى قتال الافرنج وأن يسير الأمراء معه من كل جهة مثل سقمان القطبي صاحب ديار بكر وأحمد بك صاحب مراغة وأبي الهيجاء صاحب اربل وأبي الغازي صاحب ماردين فحضروا كلهم إلا أبا الغازي فانه بعث ولده اياز في عسكر فسارت العساكر إلى الرها وحاصروها وامتنعت عليهم ثم ساروا سنة ست وخمسمائة إلى سروج كذلك ثم ساروا سنة سبع إلى بلاد الافرنج فهزموهم على طبرية ودوخوا بلادهم وعاد مودود إلى دمشق وافترقت العساكر ودخل دمشق ليشتي بها عند طغركين فقتل غيلة بها واتهم طغركين في أمره وبعث السلطان مكانه على العساكر والموصل اقسنقر البرسقي وأمره بقصد الافرنج وقتالهم وكتب إلى الأمراء بطاعته وبعث ابنه الملك مسعودا في عسكر كثيف ليكونوا معه فسار اقسنقر سنة ثمان وخمسمائة وفر أبو الغازي وحاصره بماردين حتى استقام وبعث معه ابنه اياز في عسكر فحاصروا الرها وعاثوا في نواحيها ثم سروج وشمشاط وأطاعه صاحب مرعش وكيسوم ورجع فقبض على اياز بن أبي الغازي ونهب سواد ماردين فسار أبو الغازي من وقته إلى ركن الدولة داود ابن أخيه سقمان وهو بحصن كيفا مستنجدا به فأنجده وساروا إلى البرسقي آخر ثمان وخمسمائة فهزموهم وخلصوا ابنه اياز من الاسر وأرسل السلطان إلى أبي الغازي يتهدده فلحق بطغركين صاحب دمشق صريخا وكان طغركين مستوحشا لاتهامه بأمر مودود فاتفقا على الاستنجاد وبعثا بذلك إلى صاحب انطاكية فجاء إليهما قرب حمص وتحالفا وعاد انطاكية وسار أبو الغازي إلى ديار بكر في خف من أصحابه فاعترضه قيرجان صاحب حمص فظفر به وأسره وبعث إلى السلطان بخبره وأبطأ عليه وصول جوابه فيه وجاء طغركين إلى حمص فدخل على قيرجان وألح عليه بقتل أبي الغازي ثم أطلقه قيرجان وأخذ عليه وسار أبو الغازي إلى حلب وبعث السلطان العساكر مع يوسف بن برسق صاحب همذان وغيره من الأمراء لقتال أبي الغازي وقتال الافرنج بعده فساروا إلى حلب وبها لؤلؤ الخادم مولى رضوان بن تتش كفل ابنه البارسلان بعد موته ومعه مقدم العساكر شمس الخواص فطالبوهما بتسليم حلب بكتاب السلطان إليهما في ذلك وبادر أبو الغازي وطغركين فدخلا إليهما فامتنعت عليهما فساروا إلى حماة من أعمال طغركين وبها ذخائره ففتحوها عنوة ونهبوها وسلموها إلى الأمير قيرجان صاحب حمص فأعطاهم اياز بن أبي الغازي وكان أبو الغازي وطغركين وشمس الخواص ساروا إلى روجيل صاحب انطاكية يستنجدونه على حفظ حماة وجاءهم هنالك بقدوين صاحب القدس والقمص صاحب طرابلس وغيرهما واتفقوا على مطاولة العساكر ليتفرقوا عند هجوم الشتاء واجتمعوا عند قلعة افامية فلم تبرج العساكر مكانها فافترقوا وعاد إلى دمشق وأبو الغازي إلى ماردين والافرنج إلى بلادهم ثم كان اثر ذلك فتح كفر طاب على المسلمين واعتزموا على معاودة حلب فاعترضهم روجيل صاحب انطاكية وقد جاء في خمسمائة فارس مددا للافرنج في كفر طاب فانهزم المسلمون وكان تمحيصهم ورجع برسق أمير العساكر وأخوه منهزمين إلى بلادهم وكان اياز بن أبي الغازي أسيرا عندهم فقتله الموكلون به يوم المعركة سنة تسع وخمسمائة والله تعالى أعلم.